السبت، 15 يوليو 2017

ماذا بعد رمضان؟(1)

••🍃•`°°❉ ﷽❉•°°`•🍃••

📃ماذا بعد رمضان؟ (1)🍃

••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسِنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70 - 71].
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون، يَمتاز الإسلام عن غيره من الدِّيانات من حيث التطبيقُ والعمل: أنَّه دينٌ دائم الاتصال بالعبد، لا ينفكُّ عنه بمجرد ذهاب شعيرة أدَّاها، أو يتحلل منه فَوْر انتهاء زمن عبادةٍ معظَّمة فيه، بل يَظل الإسلام ملازمًا للعبد في كلِّ الأوقات والأمكنة، في البيت والسُّوق والعمل، وفي كلِّ مكان، وفي شعبان ورمضان وشوال، وفي كل زمان.
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
يَظلُّ هذا الدِّين يصلُ العبد بربه، ويعلو به إلى الملكوت الأعلى، ويسمو به عن دَنايا الدُّنيا، وهذا الحسن لا يظهر إلاَّ في مُؤمن التزم الإسلام ظاهرًا وباطنًا كلَّ وقت وحين.
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
بينما لو أبصرت الدِّيانات الأخرى، لوجدت أنَّ شعائرهم مُجرد طقوس يُؤدونها في أوقاتها، وعادات يألفونها، لا تعدو أنْ تكون مجرد إشباع قلبي زائف، لا يصل العبد بخالقه، ولا يوجد السعادة والطمأنينة في داخله. 
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
من هنا كانت العُبودية في الإسلام لله - تعالى - على الدوام، تستمر مع العبد منذ التكليف حتى اللحد، لا ينفكُّ عن الاتصال بالله - تعالى - إلاَّ إذا تنكَّب العبد الطريق، وضلَّ عن الصراط المستقيم.
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
انظروا مثلاً إلى الصلاة المفروضة التي تتكرر مع العبد كلَّ يوم وليلة، وإلى الصيام الذي يعود كلَّ عام، ومثل ذلك يقال في الزَّكاة والاستغفار، وقراءة القرآن، وسائر الذكر، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وغيره مما يكثر عدُّه.
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
ولم يقف الاستمرار في العمل الصالح عند حدِّ الفرائض، بل تعدَّى ذلك إلى النَّوافل، فاستُحبَّ للعبد أن يستمر فيها ولا يقطعها؛ روت عائشة - رضي الله عنها - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أحب الأعمال إلى الله - تعالى - أدومها وإن قلَّ))؛ أخرجه الشيخان[1]، وذكرت - رضي الله عنها - أنَّ من صفاته - صلَّى الله عليه وسلَّم - المداومة على العمل الصالح، فقالت: ((كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا عمل عملاً أثبته، وكان إذا نام من الليل أو مرض، صلَّى من النهار اثنتي عشرة ركعة))؛ أخرجه مسلم[2]، فتأملوا مبلغ أهمية الدَّوام على العمل الصالح؛ إذ كان النبي - عليه الصلاة والسلام - يقضيه عند فواته في وقته، مع أنَّه نافلة لا يَجب قضاؤه، بل وحث الأمة على ذلك، فقال - عليه الصَّلاة والسلام -: ((مَن نام عن حزبه، أو عن شيء منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر - كتب له كأنَّما قرأه من الليل))؛ أخرجه مسلم[3].
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
ومَن كان مداومًا على العملِ الصالح، فإنَّه دائم الاتصال بالله - تعالى - مُحافظ على فرائضه، مُتقرب إليه بالنوافل؛ حتى يكونَ من أحباب الله - تعالى - وأيُّ شرف أعظم من هذا؟! يقول الله - تعالى - في الحديث القُدسي: ((مَن عادى لي وليًّا، فقد آذنته بحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه...))[4].
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
إنَّ العبد إذا نزلت به شدة يهرع إلى الله - عزَّ وجلَّ - لكن هل يليق به أنْ ينسى الله في الرخاء، ولا يعرفه إلا في الشدائد؟!
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
واستمرار العبد على العمل الصالح كفيل بتخفيف كلِّ شدة وإزالتها؛ ولذا جاء في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((تَعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة))؛ أخرجه أحمد[5]، وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن سرَّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب، فليكثر الدعاء في الرخاء))؛ أخرجه الترمذي[6]
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
والاستمرار على العمل الصالح سبب لتهذيب النفس، وسموِّها على الشهوات، واستعلائها على الهوى، وحجزها عما لا يليق من المنكرات؛ ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]، والصلاة دائمة مُستمرة، فمن حافظ عليها وما يَجب لها نهته عن كل منكر، ولما جاء رجل إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: إنَّ فلانًا يُصلي بالليل، فإذا أصبح سرق، قال - عليه الصلاة والسلام -: ((إنه سينهاه ما تقول))؛ أخرجه أحمد والبيهقي بسند صحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه[7].
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
وإذا استمر العبدُ على العمل الصالح، فحال بينه وبينه عذر، كتب الله له الأجر كأنَّه قد عمله؛ قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا مَرِضَ العبد أو سافر، كُتِب له مثلُ ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا))[8]، وفي لفظ آخر: قال - عليه الصلاة والسلام -: ((ما من امرئ تكون له صلاة بليلٍ يغلبه عليها نوم إلاَّ كُتب له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة))؛ أخرجه أبو داود والنَّسائي[9]؛ قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -: "هذا في حق من كان يعمل طاعة، فمنع منها، وكانت نيته - لولا المانع - أن يدوم عليها"[10].
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
إنَّ مِمَّا يعين على الاستمرار في العمل الصالح تَجديد التوبة دائمًا وأبدًا، ولزوم الاستغفار، فإنَّ في ذلك القوة والنشاط، وضمان بقاء العبد على العمل الصالح يَحتاج إلى قوة قلبية وقوة جسدية... قوة في إيمانه، وقوة في أعضائه، وفي التوبة والاستغفار تَحصيل ذلك؛ قال الله - تعالى - حكاية عن هود - عليه السَّلام - أنَّه قال لقومه: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾ [هود: 52]، واختيار المناسب من الأعمال الصالحة أدعى للاستمرار عليها، فإنَّ الأعمال الصالحة تتنوع، وهي كثيرة جدًّا؛ ولذا كان من السَّلف الصالح من اشتهر بطول القيام، وآخر بكثرة التسبيح والذكر، وثالث بالسَّعي في حوائج الناس ومُساعدتهم، وغيرهم بتعليم الناس وتفقيههم... وهكذا.

وليس معنى ذلك أنْ يلزم العبد عملاً، ويترك الأعمال الأخرى؛ لكنَّه يكثر مما يرى أنه أنشط فيه، وأكثر استمرارًا.
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
ولا يُثقل على نفسه؛ لأنَّ النفس بطبيعتها شهوانية ملولة، فلو أثقل عليها ربَّما أدى ذلك إلى قطع العمل بالكلية، والنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يَمل حتى تملوا))؛ مُتفق عليه[11].
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
ويَسأل العبد ربَّه الإعانة على الاستمرار في العمل الصالح، وكان من دعاء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك))، وأوصى معاذًا أنْ يدعو بذلك دبر كل صلاة[12].
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
وقد جاء النهي عن ترك الاستمرار في العمل الصالح في حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال لي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا عبدالله، لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل))؛ متفق عليه[13].
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
ويُنَشِّطُ العبدَ على العمل الصالح، ويقوده إلى الاستمرار فيه - مُطالعةُ أخبار الصالحين من سلف هذه الأمَّة ومن بعدهم ممن كانوا يتحملون أعمالاً صالحة كثيرة، ويداومون عليها، ولا يدعونها، حتى في أحلك الظُّروف، وأصعب الساعات، قُدوتهم في ذلك رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قالت عائشة - رضي الله عنها -: "ما رأيت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - منذ أن نزل عليه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ} [النصر: 1] يصلي صلاة إلاَّ قال فيها: ((سبحانك ربي وبحمدك، اللهم اغفر لي))[14].
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
وكانت عائشة - رضي الله عنها - تصلي الضحى ثماني ركعات، ثم تقول: ((لو نُشر لي أبواي ما تركتها))؛ أخرجه مالك[15].
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
وقال النبي - عليه الصلاة والسلام - لبلال عند صلاة الفجر: ((يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملتَه في الإسلام، فإنِّي سمعت دَفَّ نعليك بين يدي في الجنة))، قال: "ما عملت عملاً أرجى عندي أنِّي لم أتطهر طُهُورًا في ساعة من ليلٍ أو نهار إلاَّ صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي"؛ متفق عليه[16].
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
وفي حديث بريدة - رضي الله عنه - قال: أصبح رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فدعا بلالاً، فقال: ((يا بلال، بِمَ سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قطُّ إلا سمعت خشخشتك أمامي...))، قال: "يا رسول الله، ما أذَّنت قطُّ إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث قطُّ إلا توضأت عندها، ورأيت أنَّ لله علي ركعتين"، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "بهما"؛ أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح غريب[17].
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
وهذا عليٌّ - رضي الله عنه - لم يترك عملاً صالحًا أرشده إليه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في ليلة يَستقبل صباحها حربًا وقتالاً، وذلك أنَّ عليًّا وفاطمة سألا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - خادمًا، فقال: ((ألا أعلمكما خيرًا مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما، أنْ تكبِّرا الله أربعًا وثلاثين، وتسبحاه ثلاثًا وثلاثين، وتحمداه ثلاثًا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم))، قال علي: "ما تركته منذ سمعته من النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين"؛ أخرجه الشيخان[18].
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
ومن عجائب الأخبار في هذا الجانب:
ما خرَّجه مسلم في صحيحه قال: حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير، حدثنا أبو خالد – يعني: سليمان بن حيان - عن داود بن أبي هند، عن النعمان بن سالم، عن عمرو بن أوس قال: حدثني عنبسة بن أبي سفيان في مرضه الذي مات فيه بحديث يُتَسار إليه، قال: سمعت أم حبيبة تقول: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بُني له بهنَّ بيت في الجنة))، قالت أم حبيبة: فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقال عنبسة: فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة، وقال عمرو بن أوس: ما تركتهن منذ سمعتهن من عنبسة، وقال النعمان بن سالم: ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن أوس[19].
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
فانظروا كيف أنَّ كل واحد من هؤلاء السَّلف - رحمهم الله تعالى - بادر بالامتثال، وحافظ على السنن الرَّواتب، واستمر على ذلك، ولم يتركها منذ أنْ بلغه فضلها، وأخبارهم في ذلك كثيرة.
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
كانت تلك جمل في أهمية الاستمرار على العمل الصالح ودواعيه وأسبابه وآثاره، عسى أن يكونَ فيها إيقاظ للعقول النائمة، وتنبيهٌ للقلوب الغافلة، يقودها إلى الله والدَّار الآخرة.
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
أسأل الله - تعالى - أنْ يستعملنا في طاعته إلى الممات، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 33].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
••🍃•`°°❉•🌹•❉•°°`•🍃••
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق