الأحد، 28 مايو 2017

فتح الرحمن في تدبر القرآن (٢٢):

💬فتح الرحمن في تدبر القرآن  (٢٢):
قال تعالى :( وقضى ربك أﻻ تعبدوا إﻻ إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كﻻهما فﻻ تقل لهما أف وﻻتنهرهما وقل لهما قوﻻ كريما* واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) اﻹسراء ( 23-24)
ورد اﻷمر ببر الوالدين في سبعة مواضع في القرآن الكريم أربعة منها في النصف الأول من القرآن وجاءت بصيغة واحدة وهي (وبالوالدين إحسانا) وثﻻثة في النصف الثاني من القرآن وجاءت أيضا بصيغة واحدة وهي (ووصينا اﻹنسان بوالديه)
وفي اﻷربعة اﻷولى دائما يقرن جل وعﻻ اﻷمر بعبادته باﻷمر باﻹحسان بالوالدين إشارة إلى أن هناك أصل أصيل يجب أن يؤسس في قلبك وهو أصل العقيدة.. واﻷصل الثاني هو اﻹحسان بالوالدين وكأن من لم يحسن بالوالدين هناك خلل في عقيدته..
وقوله (بالوالدين إحسانا) هناك مقدر محذوف والتقدير {وأحسنوا بالوالدين إحسانا } فيكون اﻷمر باﻹحسان هنا مؤكدا بالمفعول المطلق[إحسانا].
لكن كل موضع من المواضع يتميز بميزة ﻻ توجد في الموضع اﻵخر ولنتتبعها موضعا موضعا حتى يتبين لما ميزة كل موضع:
1/في سورة البقرة قال تعالى (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ﻻتعبدون إﻻ الله وبالوالدين إحسانا ) البقرة (83) فبين جل وعﻻ في هذا الموضع أن اﻷمر باﻹحسان بالوالدين ليس أمرا جديدا يخص هذه اﻷمة بل أمر به من قبلنا من أهل الكتاب كما قال قي آيات الصيام (كما كتب على الذين من قبلكم) فكأن هذا اﻷمر جاء به شرع من قبلنا وأقره شرعنا.
2/ في سورة النساء(واعبدوا الله وﻻتشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا....إن الله ﻻيحب من كان مختاﻻ فخورا)النساء (36)
أمر صريح لهذه اﻷمة وﻻحظي ختام اﻵية فكل من لم يبر بوالديه ففيه صلف وغرور وﻻيحب الله من هذه صفته..ومن ﻻخير فيه لوالديه وهما سبب وجوده في الدنيا فﻻ خير فيه ﻷحد.
3/في سورة اﻷنعام قال عز من قائل (قل تعالوا أتل ماحرم ربكم عليكم أﻻ تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وﻻتقتلوا أوﻻدكم من إمﻻق...) اﻷنعام (151)
نﻻحظ في هذه اﻵية أن سياق اﻵية كلها نواهي ﻻتشركوا..ﻻتقتلوا..ﻻتقربوا....
لكن في بالنسبة للوالدين لم يقل ﻻتعقوا والديكم مع أن سياق النواهي يقتضي ذلك لكن النهي عن العقوق ﻻيلزم منه اﻷمر بالبر فكان اﻷمر باﻹحسان هنا مخالفا للسياق للفت النظر أن المقصود هو البر واﻹحسان ﻻترك العقوق فقط..
4/في سورة اﻹسراء الذي نحن بصدد الحديث عنه  فصل في هذا الموضع اﻷخير تفصيﻻ دقيقا في اﻷمر باﻹحسان بهما فنهى عن أدنى أذى وأمر بكريم القول ولين الجانب والدعاء لهما خاصة بعد وفاتهما.

أما الوصية بهما فورد في النصف الثاني من القرآن في ثﻻثة مواضع:
1/في سورة العنكبوت قال تعالى :( ووصينا اﻹنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك  لتشرك بي ماليس لك به علم فﻻ تطعهما إلي  مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) العنكبوت (8) وهذا الموضع والذي بعده في سورة لقمان يبين كيفية التعامل مع الوالدين حال كونهما مشركين .
2/في سورة لقمان (ووصينا اﻹنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فﻻ تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) لقمان (14-15)
هذا الموضع تميز بإفراد اﻷم بوصية خاصة ويذكر بمدى ماتحملته من أجلك من عناء..
ولفت نظري قوله (ثم إلي مرجعكم) في موضعي العنكبوت ولقمان وكأنه يقول إن كان تعامل والديك معك فيه شيء من الجفاء والغلظة خاصة إن السبب هو تمسكك بدينك فاحتسب عند الله برك بهما فهو من يجازي يوم المرجع فﻻ يظلم عنده أحد.
3/في سورة اﻷحقاف (ووصينا اﻹنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثﻻثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه و أصلح لي في ذريتي...) اﻷحقاف (15)
نﻻحظ أنه عاد إلى اﻷمر بالدعاء لهما هنا..فآخر موضع في النصف اﻷول في سورة اﻹسراء أمر بالدعاء (رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) وآخر موضع في النصف الثاني في سورة اﻷحقاف أمر بالدعاء (رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي)
وكأن حديث (أو ولد صالح يدعو له) مستنبط من اﻷمر بالدعاء في هاتين اﻵيتين..
اللهم ارحم آبائنا وأمهاتنا أحياء وأمواتا ورزقنا برهم وأقر بنا أعينهم.
وكتبته/ الراجية رحمة ربها
سماح بخاري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق