الاثنين، 5 ديسمبر 2016

بدعة الاحتفال بذكرى المولد النبوي

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة حسناء قدومة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد:
وقفت على ما أرسلته الأخت ديانة عن (بدعة الاحتفال بذكرى المولد النبوي) والكلام المذكور في تلك الأسطر معلوم متداول، وهي حجة ضعيفة لا قوام لها ولا زمام، فالاحتفال بذكرى المولد النبوي بإجماع العلماء (بدعة) ولا يستطيع أحدٌ أن يقول بأنه ليس بدعة! لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل به، ولا الصحابة لا التابعون ولا أئمة الدين أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ولا الصدر الأول من علماء الإسلام وإنما هو محدث في المائة السادسة تقريباً.
فهو (بدعة) ولما علم بعض المتأخرين أنه لا مناص لهم من تسميته بدعة، بدءوا يبحثون عن تقسيم البدع إلى حسنة وسيئة! فإن أرادوا البدعة بالمعنى اللغوي المردافة للجديد! فلا بأس ولا علاقة لهذا المعنى اللغوي في إحياء ذكرى المولد فهم يعتبرونه تعبداً لله بحب رسول لله صلى الله عليه وسلم، ومن لا يحتفل بالمولد عندهم يرونه لا يحب الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو عبادة عندهم، وعلى ذلك فهي بدعة بالمعنى الشرعي، والبدعة بالمعنى الشرعي قال عنها أفصح الناس لساناً، وأصدقهم نصحاً، وأعلم بدلائل الألفاظ وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) وقال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وهذا يفيد كل عمل، وكل بدعة.
وزعم الجاهل في مسطوره بأن كلّ لا تفيد الشمول بدليل قول الله تعالى: (تدمر كلّ شيء بإذن ربها) دليل باطل، وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلكم من آدم) فهل هناك من ولد بشر ليس من ولد آدم؟ والجواب عن الآية، أن كلّ فيها عهدية بما يقع عليه التدمير من الريح، وإلا فالسماء والأرض والبحار والعرش والكرسي وغيره لا يدخل في ذلك، فسياق الكلام يفهم منه العربي أن (كل) فيه المراد به ما يكون عرضة للتدمير في تلك القرية! أما الحديث فالنبي صلى الله عليه وسلم قال (في أمرنا) أي في ديننا، فلا يقبل النبي صلى الله عليه وسلم في دينه بدعة! وقال: (كل بدعة) وهذا يفيد كل ما يحدث، ولا مخصص له من كلام الشارع في آية ولا في حديث، فتبقى الكلية على شموليتها.
أما استدلاله بحديث صوم النبي صلى الله عليه وسلم ليوم الاثنين لأنه ولد فيه، فلا دلالة فيه، فالصيام ليس احتفالاً، ثم الفضل معلق بيوم الاثنين، وهم علّقوه بالعاشر من ربيع الأول، فلماذا لم يتقيدوا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ويعلموا بعمله ولا يزيدوا على سنة وبستدركوا على شرعه؟ لماذا لم يصوموا فقط كما صام النبي صلى الله عليه وسلم؟
أما زعمه أن صلاة التهجد والتراويح لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم فكذب، بل صلاها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة ليال، ثم تركها خشية أن تفرض، ثم أحياها الصحابة من بعدها، هذا من جانب (السنة الفعلية) أما (القولية) فقد روى الترمذي وغيره عن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -: قال: «صمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رمضان، فلم يقم بنا حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة، وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلنا له: يا رسول الله، نفلتنا بقية ليلتنا هذه، قال إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة، ثم لم يقم بنا حتى بقي ثلاث ليال من الشهر، فصلى بنا في الثالثة، ودعا أهله ونساءه، فقام بنا حتى تخوفنا الفلاح، قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور».
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام مع الإمام حتى ينصرف) دليل على سنية صلاة التراويح والتهجد جماعة.
ثم لو لم يكن إلا عمل الصحابة فعملهم باتفاق حجة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بلزوم سنته وسنة أصحابه من بعده، ومن ذلك جمع القرآن الكريم، أما تشكيل المصحف وتنقيطه فلا علاقة له بالتعبد، وإنما هو لمجرد إيضاح الكتابة.
أما زعمه بأن الحاجة ماسة للاحتفال لبعد الناس عن حب النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة قدره، فكلام باطل، فالخطأ لا يصلح بالخطأ، ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون بالإيمان به، واتباع سنته، ونشره الدين والدعوة إليه، في كل يوم، بل في كل ساعة، وليس في ليلة واحدة لا نرى فيها من السنة شيئاً، غير الرقص، ودق الطبول، وملي البطون، واختلاط الرجال بالنساء، والهتاف بالعبارات الشركية المنافية للا إله إلا الله، والتبذير والإسراف، والله المستعان.
أما مضاهاة النصارى فنعم والله أن هذه البدعة لم تأت للمسلمين إلا تشبهاً للنصارى، أحدثها الحاكم الفاطمي مضاهاة للنصارى، وحب الأنبياء لا يكون بقرع الطبول والرقصو الاحتفالات والأغاني والأناشيد، يكون بأخذ الكتاب بقوة، والعمل بما فيه، والدعوة إليه، واتباع السنة في كل شؤون الحياة، وتحكيم شرع الله بما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.
وباقي ما في الرسالة هزيل لا يستحق أن يلتفت إليه، وكما سبق أن قلت: بأن العلماء قد ردوا هذه البدعة وبينوا بطلانها، وكتبوا في ذلك العديد المصنفات، وعملٌ (يتعبد لله به) لم يكن على عهد رسول الله، ولا أصحابه، ولا التابعين لهم بإحسان، فهو بدعة وضلالة وغيٌّ ولا حول ولا قوة إلا بالله، والسلام عليكم يعود كما بدأ ورحمة الله وبركاته،
كتبه أخوكم/ بدر بن علي العتيبي
سحر ليلة الأربعاء 2 ربيع الأول 1436هـ الطائف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق