السبت، 11 فبراير 2017

الفرق بين ( ولمّا ) و ( فلمّا )

الفرق بين ( ولمّا ) و ( فلمّا )

من روائع دقة التعبير القرآني أنك تجد كلمة ( ولمّا ) وكلمة ( فلمّا ) قد وظفت كلتاهما في مكان على درجة عالية من الدقة التعبيرية بحيث لا يمكن أن تستبدل إحداهما بالأخرى ، ذلك أن صيغة ( ولمّا ) تركت بين الفعلين مساحة زمنية أي أن بين الفعل الأول ونتيجته شيئاً من التراخي الزمني ، أما صيغة ( فلمّا ) فإن نتيجة الفعل تحدث فور وقوعه (الفاء فيها سرعة ). ولعل في الآية الكريمة التي وردت فيها الصيغتان ما يوضح ذلك : ( ولما جاء موسى لميقتنا وكلمه ربه قال رب ارنى انظر اليك قال لن ترنى ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف ترنى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما افاق قال سبحنك تبت اليك وانا اول الموءمنين ) الأعراف : 143 .

حيث نجد أن بين مجيء موسى لميقات الله تعالى وبين قوله رب أرني أنظر إليك زمناً كلمه فيه ربه ( ولما جاء موسى لميقتنا وكلمه ربه قال .. ) ، ولذلك استخدمت لفظة ( ولمّا ) .

أما لفظة ( فلمّا ) الأولى ( فلمّا تجلى ربه للجبل جعله دكاً .. ) فلم يكن هناك من زمن فاصل بين تجلي الله تعالى للجبل وبين جعله دكاً ، وكذلك في لفظة ( فلمّا ) الثانية ، حيث أن موسى لم يستغرق زمناً يذكر من لحظة إفاقته الى لحظة قوله سبحانك ( فلما أفاق قال سبحنك ) .

وقد تجلى الفرق بين اللفظتين حين استخدمتا في القصص القرآني ، وسوف نأخذ بعض الأمثلة من سورة القصص ومن سورة يوسف ، حيث نقرأ في القصص :

( ولما بلغ اشده واستوى ءاتينه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين ) القصص : 14 .
ومن الواضح هنا أن بين بلوغ موسى أشده وبين أن آتاه الله حكماً وعلماً زمناً ، لأنه لا يتصور أن الله تعالى آتاه الحكم والعلم في نفس اللحظة أو في نفس اليوم الذي بلغ فيه أشده ، ولذلك جاء التعبير هنا بـ ( ولمّا ) .

( فلما ان اراد ان يبطش بالذى هو عدو لهما قال يموسى اتريد ان تقتلنى كما قتلت نفسا بالامس ان تريد الا ان تكون جبارا فى الارض وما تريد ان تكون من المصلحين ) القصص : 19 .
ومن الواضح هنا أنه بمجرد أن أحس العدو بإرادة موسى أن يبطش به ( قال يموسى أتريد أن تقتلني ) ، أي أنه لم يستغرق زمناً يذكر ، ولذلك جاء التعبير بـ ( فلمّا ) .
أما في سورة يوسف فنجد أربع آيات ورد في كل اثنتين منها على حدة نفس النص مع اختلاف في ( ولما ، فلما ) كما يلي :
( ولما جهزهم بجهازهم قال اءتونى باخ لكم من ابيكم الا ترون انى اوفى الكيل وانا خير المنزلين) يوسف : 59 .
( فلما جهزهم بجهازهم جعل السقايه فى رحل اخيه ثم اذن موءذن ايتها العير انكم لسرقون ) يوسف : 70 .

نجد أن في الأولى ( ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم .. ) لا بد وأن زمناً قد انقضى بين تجهيز الإخوة بجهازهم وبين قول يوسف لهم ائتوني بأخ لكم من أبيكم ، حيث اقتضت حيلة يوسف أن يحاورهم حواراً طويلاً يسألهم فيه عن علاقة بعضهم ببعض ، ثم إظهاره التعجب من كون الرجال العشرة إخوة من أب واحد ، ثم لا بد وأنهم أخبروه بأنهم في الحقيقة أحد عشر أخاً ولكن الأخ الصغير ملازم لأبيه ، وربما افتعل يوسف تشككه في صحة حديثهم ثم قال لهم إن كنتم صادقين فأتوني بالأخ الحادي عشر وإلا فلا ترجعوا ، ومن الواضح أن ذلك كله قد استغرق وقتاً طويلاً من الحوار والأخذ والرد ، ولذلك جاء التعبير بـ ( ولما جهزهم بجهازهم قال ) .

أما في الآية الثانية ( فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه .. ) ، فلم يستغرق الأمر زمناً ، ذلك أن فتيان يوسف قد قاموا بدس السقاية في رحل أخيه أثناء التجهيز ، ولذلك جاء التعبير بـ ( فلمّا ) .

كذلك نجد في الآيتين :
( ولما دخلوا على يوسف ءاوى اليه اخاه قال انى انا اخوك فلا تبتءس بما كانوا يعملون ) يوسف : 69 .

( فلما دخلوا على يوسف ءاوى اليه ابويه وقال ادخلوا مصر ان شاء الله ءامنين ) يوسف : 99 .

مع أن النص في بداية الآيتين واحد ( دخلوا على يوسف آوى إليه .. أخاه .. أبويه ) إلا أن يوسف في الأولى لم يكن قادراً على أن يؤوي إليه أخاه تحت سمع وبصر باقي الإخوة وإلا انكشف أمره ، إذ لا بد له من التريث وانتهاز الفرصة السانحة لذلك ، ولا بد أن الفرصة لم تسنح إلا بعد مرور بعض الوقت ، ولذلك جاء التعبير بـ ( ولما ) .
أما في الثانية فقد كان الجميع على علم بحقيقة شخصية يوسف ، فلم يكن هناك داع للتريث ، فما أن دخلوا على يوسف حتى آوى إليه أبويه دون أي انتظار . ولذلك جاء التعبير بـ ( فلما ) .

وهكذا نجد أن لفظة ( ولما ) قد اقتضى الأمر معها مرور بعض الوقت بين حدوث الفعل ونتيجته .
أما لفظة ( فلما ) فلم يمر وقت يذكر معها حيث تأتي النتيجة مباشرة بعد الفعل .

أ/ زياد السلوادى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق